إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

فصل في بيان نبذة من صفاته الكريمة وشمائله الشريفة وأخلاقه الطاهرة صلى الله عليه وسلم
 
روى البخارى ومسلم وغيرهما ([1]) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس وجهًا، وأحسنَه خلقًا، ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير).
 
وروى البيهقي والطبراني ([2]) عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال قلت للرُّبيّع بنت مُعَوِّذ صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت (لو رأيته لقلت الشمس طالعة).
 
وروى الترمذي وأحمد ([3]) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (ما رأيت شيئًا أحسنَ من النبي صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرَع في مشيه منه كأن الأرض تُطوى له، إنا لنجهد وإنه غير مكترث).
 
وروى البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم ([4]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب منكبيه)، وفي لفظ ءاخر عنه عند البخاري ومسلم ([5]) (كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه).
 
وروى مسلم ([6]) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (ما شممت شيئًا قط مسكًا ولا عنبرًا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئًا قط حريرًا ولا ديباجًا ألين مسًّا من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم).
 
وقال البراء بن عازب رضي الله عنه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعًا، بعيد مابين المنكبين، أعظمَ الناس، وأحسن الناس، جُمَّتُهُ إلى أذنيه، عليه حُلةٌ حمراء، ما رأيت شيئًا قط أحسن منه) أخرجه الشيخان ([7]).
 
وروى مسلم ([8]) في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ([9])، ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمْهَقِ ([10]) ولا بالآدَم ([11])ِ، ولا بالجَعْد القَطِطِ ([12]) ولا بالسَّبِطِ ([13])، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشرَ سنين، وتوفاه الله على رأس الستين سنةً، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء).
 
وروى البيهقي ([14]) أن ابن عمر رضي الله عنهما كثيرًا ما ينشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نعتَ عمه أبي طالب إياه في لونه حيث يقول
 
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه *** ثِمَالُ ([15]) اليَتَامَى عِصْمَةٌ للأرامِل
 
ويقول كل من سمعه هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم.
 
وأخرج البزار ([16]) بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت تمثلت في أبي
 
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه *** رَبيعُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ للأرامِل
 
فقال أبي ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
وأما أخلاقه صلى الله عليه وسلم فقد دلت عليها الآية الكريمة (وإنك لعلى خلق عظيم) [سورة القلم]، وعن عائشة رضي الله عنها قالت عندما سُئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن خُلُقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرءان) رواه مسلم في الصحيح ([17]).
 
وعن عبد الله بن الزبير في قوله عز وجل (خُذ العفو) [سورة الأعراف] قال (أمرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس) أخرجه البخاري في الصحيح ([18]) وغيرُه.
 
وعن عائشة رضي الله عنها قالت (ما خُيّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تُنْتَهَكَ حُرمة الله تعالى)، وزاد القطان في روايته (فينتقم لله بها) أخرجه الشيخان والبيهقي وغيرهم ([19]).
 
وعن عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت (لم يكن فاحشًا ولا مفتحشًا، ولا سخَّابًا في الأسواق، ولا يَجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح أو قالت يعفو ويغفر)، شك أبو داود ([20]).
 
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خِدْرِهَا، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه) أخرجه الشيخان ([21]).
 
وعن المغيرة بن شعبة قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال (أفلا أكون عبدًا شكورًا) أخرجاه في الصحيح ([22]).
 
وإلى جانب هذه الصفات الحميدة كان شديدًا في أمر الله، شجاعًا، فقد روى أحمد ([23]) بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال (لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس بأسًا).
 
أما أخبار كرمه وسخائه فعديدة منها ما رواه مسلم ([24]) عن أنس رضي الله عنه أنه قال (ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا قط إلا أعطاه، فأتاه رجل فسأله، فأمر له بغنم بين جبلين، فأتى قومه فقال أسلموا، فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة).
 
أما أخبار زهده وتواضعه واختياره الدار الآخرة فكثيرة منها ما رواه البيهقي والترمذي وابن ماجه ([25]) عن عبد الله أنه قال اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير فأثَّر الحصير بجلده، فجعلتُ أمسحه عنه وأقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ألا أَذِنْتَنَا فنبسط لك شيئًا يقيك منه تنام عليه، فقال (ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا، إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها).
 
فقد كان صلى الله عليه وسلم متصفًا بصفات حسنة من الصدق، والأمانة، والصلة، والعفاف، والكرم، والشجاعة، وطاعة الله في كل حال وأوانٍ ولحظة ونفس، مع الفصاحة الباهرة والنصح التام، والرأفة والرحمة، والشفقة والإحسان، ومواساة الفقراء والأيتام والأرامل والضعفاء، وكان أشد الناس تواضعًا، يحب المساكين ويشهد جنائزهم، ويعود مرضاهم، هذا كله مع حسن السَّمت والصورة، والنسب العظيم، قال الله تعالى (الله أعلمُ حيث يجعل رسالته) [سورة الأنعام].
 
[1] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجهًا، والبيهقي في الدلائل (1 – 194).
[2] – أخرجه البيهقي في الدلائل (1 – 200)، وعزاه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8 – 283) للطبراني في الكبير والأوسط وقال (ورجاله وثقوا)، أنظر المعجم الكبير (24 – 247).
[3] – أخرجه الترمذي في سننه كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحمد في مسنده (2 – 350 – 380).
[4] – أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب اللباس، باب الجعد، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي في صحيحه، كتاب الزينة، وأحمد في مسنده (5 – 125)، والبيهقي في الدلائل (1 – 221).
[5] – أنظر التخريج السابق في البخاري ومسلم.
[6] – أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه، والتبرك بمسه، والبيهقي في الدلائل (1 – 255).
[7] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان أحسن الناس وجهًا، والبيهقي في الدلائل (1 – 240).
[8] – أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الفضائل: باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومبعثه، وسنه، والبيهقي في الدلائل (1 – 203).
[9] – أي المفرط الطول.
[10] – الأمهق هو الكريه البياض.
[11] – الأدمة في الناس السمرة الشديدة.
[12] – القطط الشديد الجعودة.
[13] – السبط المنبسط المسترسل.
[14] – دلائل النبوة (1 – 299).
[15] – ثمال اليتامى أي ملجأ وغِياث، والمُطعِم في الشدة.
[16] – أنظر كشف الأستار عن زوائد البزار (4 – 124)، وعزاه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (8 – 275) له وقال ورجاله ثقات.
[17] – أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل.
[18] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، ءاخر تفسير سورة الأعراف، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في التجاوز في الأمر، والبيهقي في الدلائل (1 – 310).
[19] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأدب، باب قول النبي (يسروا ولا تعسروا)، وفي الحدود: باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام، والبيهقي في الدلائل (1 – 311)، ومالك في الموطأ، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق.
[20] – أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (ص – 214)، والبيهقي بإسناده عنه في الدلائل (1 – 315).
[21] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب الأدب، باب الحياء، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه صلى الله عليه وسلم، والبيهقي في الدلائل (1 – 316).
[22] – أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل، وفي كتاب التفسير، باب ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ومسلم في صحيحه، كتاب المنافقين، باب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة، وابن ماجه في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في طول القيام.
[23] – أخرجه أحمد في مسنده (1 – 86).
[24] – أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال لا، وأخرجه أحمد في مسنده (3 – 108 – 175).
[25] – أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب منه (2377)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، والبيهقي في الدلائل (1- 337 – 338).