إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
طَاوُوسُ بْنُ كَيْسَانَ، الْفَقِيهُ الْعَالِمُ الْيَمَنِيُّ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَارِسِيُّ، ثُمَّ الْيَمَنِيُّ الْحَافِظُ، سَمِعَ مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَازَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ مُدَّةً، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي كُبَرَاءِ أَصْحَابِهِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ (كَانَ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَمِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ، مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً).
تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ بِمَكَّةَ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ، وَيُقَالُ كَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيْرِهِ: عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَدَرِيٌّ، فَقَالَ طَاوُسٌ: تَقُومُ أَوْ تُقَامُ (أيْ بِغَيْرِ إِرَادَتِكَ)؟
فَقَامَ الرَّجُلُ،
فَقِيلَ لَهُ (أيْ لِطَاوُسٍ) أَتَقُولُ هَذَا لِرَجُلٍ فَقِيهٍ؟
فَقَالَ إِبْلِيسُ أَفْقَهُ مِنْهُ، قَالَ (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي)، وَهُوَ يَقُولُ أَنَا أُغْوِي نَفْسِي. (يَزْعُمُ أنَّ اللهَ لَمْ يَخْلِقِ الضَّلَالَةَ فِي أَحَدٍ). اهـ
فائدة:
أهل السنة يقولون العَبدُ مُختارٌ تحت مشيئةِ اللهِ، فالمعتزلةُ القدريةُ كفروا بقولهم إنَّ اللهَ لم يشأ حصولَ الشرَّ مِن العبادِ، فهؤلاءِ جعلوا اللهَ مغلوبًا في ملكهِ لأنَّ معنى كلامِهم أنَّ الشرَّ حصلَ رُغمًا عنه، وكفروا بقولِهم لم يِخلُقِ اللهُ الشرَّ، وبقولهم اللهُ لَم يخلق أعمال العبادِ الاختيارية، وقد قيل للإمام مالكٍ رحمه الله ما تقولُ في نِكاحِ القدرية (أي المعتزلةِ)؟
فقال قالَ اللهُ تعالى (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) معناه أنه حكمَ عليهم بالشِّرك.
وقول طاوسٍ رحمه الله لأن إبليسَ قال (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي) [الحجر 39] إقرارٌ من إبليس أنَّ الغوايةَ أي الضَّلالةَ بخلق الله وعلمه ومشيئته سبحانه وتعالى، فلا شىء في الوجود إلا وهو مخلوق له، وخالف القدرية شيخهم إبليس الذي طاوعوه في كل ما زيَّنه لهم، ولم يطاوعوه في هذه المسألة ويقولون أخطأ إبليس.