إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

بسم الله الرحمن الرحيم وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْد فَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله (مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ غَيْرَ رَسُولِ الله) الحدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ فِي الأَوْسَطِ بإِسْنَادٍ حَسَن مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسِ رَضِيَ الله عَنْهُما.
 
احْفَظُوا الحدِيثَ (مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ غَيْرَ رَسُوْلِ الله).
 
الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم يَقُول إِنَّ أَفْرَادَ الأُمَّة المحَمَّدِيَّة أي وَكَذلِكَ أَفْرَادُ أُمَمِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَه يُؤْخَذُ من قَوْلِهِم وَيُتْرَك إلاَّ رَسُولُ الله.
 
المعْنى أَنَّ الخطَأَ يَجُوزُ عَلَى الوَلِيّ وَعَلَى الصُّوفِيّ، يَجُوزُ الخطَأ فِي بَعْضِ مَا يَقُولُهُ، في بَعْضِ مَا يَرَاه مِنْ أُمُورِ الدِّين، إِلاَّ رَسُولَ الله أي وجَميعُ أَنْبِيَاءِ الله فَإِنَّهُم لا يُخْطِئُون في أُمُورِ الدِّين.
 
الأَنْبِيَاء لا يُخْطِئُون فِي أُمُورِ الدِّين أَمَّا غَيْرُ الأَنْبِيَاء قَدْ يُخْطِئ فِي فَتْوَاهُ، العَالِمُ أو الصُّوفِيُّ وَالوَلِيُّ يُخطِئ فِي بَعْضِ مَا يَرَاهُ مِنْ أُمُورِ الدِّين، يَجُوزُ عَلَيْهِ الخطَأُ فِي بَعْضِ أُمُورِ الدِّين، لِذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله بَعْدَمَا تُوُفِـّيَ رَسُولُ الله حَدَثَتْ مَسَائِل مِنَ المِيرَاث وغَيْرِه فاخْتَلَفُوا فِي اجْتِهَادِهِم كَانَ أَفْضَلُهُم سَيُّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْه في عُلُوِّ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ الله كَانَ بَعْدَمَا تُوُفِـّيَ رَسُولُ الله ثُمَّ أَخَذَ الخِلاَفَة حَصَلَتْ مَسَائل لَمْ تكنْ حَدَثَتْ في عَهْدِ رَسُولِ الله عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْه، عَلَى حَسَبِ مَا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ مِن عِلْمِ الدِّين حَدَثَتْ مَسْأَلَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِ الرَّسولِ فَاجْتَهَدَ أَبُو بَكْرٍ فَذَهَبَ بِاجْتِهَادهِ إلَى حُكْمٍ فَقَالَهُ وَذَهَبَ غَيْرُهُ مِن أَصْحَابِ رَسُولِ الله، بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ الله غَيْرُهُ كَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب وَزَيْدِ بْنِ ثَابِت رَضِيَ الله عنِ الجمِيع إِلَى خِلافِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فِي اجْتِهَادِه ثُمَّ لَمْ يَعِبْ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ فِي الاجْتِهاد وَلا أُولَئك أَيْ عَلِيٌّ وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِت لَمْ يَعِيبُوا أَيْضًا عَلَى أبي بكْرٍ حَيْثُ خَالَفَ اجْتِهَادُهُم اجْتِهَادَ أَبِي بَكر وَذَلِكَ لأَنَّهُ لا يَنزل الوَحْيُ بَعْدَ رَسُولِ الله عَلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّد، أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَهُم لَكِنَّهُ لاَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحِي هُوَ كَغَيْرِهِ لاَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الوَحِي.
مَاذَا يَفْعَل هَذِهِ الحادِثَة مَا حَدَثَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُول مَا حَكَمَ فِيهَا الرَّسُول بِحُكْمٍ مُعَيَّن، اجْتَهَد فَذَهَبَ اجْتِهَادُهُ إِلَى وَجْهٍ وَاجْتَهَدَ غَيْرُهُ في المسْأَلَةِ نَفْسِهَا فَذَهَبَ اجْتِهَادُهُم إلَى غَيْرِ الوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ اجْتِهَادُ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِ.
 
مَا هِيَ هَذِهِ المسْأَلَة؟
رَجُلٌ تُوُفِـّيَ وَتَرَكَ إِخْوَةً وَجَدًّا، الإِخْوَةُ إِخْوَةُ الميِـّت والجدّ جَدُّ الميِـّت، فَالجَدُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَبُ الميِـّت فَهُوَ مِنَ الوَارِثِين والإِخْوَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ المَيِـّتُ تَرَكَ أَوْلاَدًا ذُكُورًا يَرِثُونَ، إِخْوَتُه الأَشِقَّاء وَإِخْوَتُهُ مِنْ أَبِيهِ يَرِثُون إِذَا لَمْ يَتْرُكِ الميِـّتُ أَبًا وَلاَ وَلَدًا ذَكَرًا يَرِثُون.
فَهَذِهِ الحادِثَة هِيَ أَنَّ رَجُلاً تُوُفِـّيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَبْنَاء وَلاَ أَب، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبْنَاء وَلَمْ يَكُنْ أَبُوهُ أَيْضًا، أَبُوهُ كَانَ مِنَ المتَوَفَّى فَكَانَ له هُنَاكَ مِنَ العَصَبَة إِخْوَة وَجَد.
 
هَذِهِ الحادِثَة مَا حَدَثَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُول لَوْ كَانَتْ حَدَثَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُول كَانُوا عَرَفُوا حُكْمَهَا مِنَ الرَّسُول، كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ الله ثُمَّ لاَ يَسَعُهُمُ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ المسْأَلَة مَا حَدَثَتْ فِي زَمَنِ الرَّسُول فَهَذَا المال يُتْرَكُ هَكَذَا أَوْ يُوضَعُ فِي بَيْتِ المال وَيُحْرَمُ هَؤُلاَءِ الجدُّ وَالإِخْوَة لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمْرًا صَوَابًا فَاجْتَهَدُوا فَكَانَ اجْتِهَادُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الجدَّ يَرِث وَالإِخْوَةَ لاَ يَرِثُون، أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ جَعَلَ الجدَّ بِمَثَابَةِ الأَب، إِذَا وُجِدَ الأَبُ الإِخْوَةُ يَرِثُون؟ لاَ يَرِثُون. الإِخْوَة لاَ يَرِثُونَ إِذَا وُجِدَ الأَبُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الجدُّ مِثْلُ الأَبِ فَبِوُجُودِ الجدِّ لاَ تَرِثُ الإِخْوَة فَكَانَ اجْتِهَادُهُ أَنْ يُحْرَمَ الإِخْوَة مِنَ المِيرَاث، وَيُوَرَّثَ الجدُّ المالَ كُلَّهُ.
 
لَكِنَّ الآخَرِين أَيْ المجْتَهِدِينَ مِنَ الصَّحَابَة عَلِيٌّ رَضِيَ الله عَنْهُ وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ رَضِيَ الله عَنْهُ اجْتَهَدَا فَكَانَ اجْتِهَادُهُمَا أَنَّ الجَدَّ وَالإِخْوَةَ يَشتَرِكُونَ فِي المِيرَاث لاَ تُحْرَمُ الإِخْوَة مِنْ أَجْلِ وُجُودِ الجدّ، فَكانَ اجْتِهَادُ عَلِيٍّ وزيدِ بْنِ ثابت أَنَّ الجدَّ لَيْسَ فِي مَعْنَى الأَبِ عَلَى التَّمَام بَلْ الجَدُّ وَالإِخْوَة يَشْتَرِكُونَ فِي المِيرَاث ثُمَّ بِحَسَب الظَّاهِر نَحْنُ لاَ يَجُوز لَنَا أَنْ نَقُولَ عَنِ اجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ فَاسِد وَلاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقُول إِنَّ اجْتِهَاد أَبِي بَكْرٍ هُوَ الصَّحِيح وَاجْتِهَادَ غَيْرِهِ فَاسد، لاَ نُقْدِم عَلَى ذَلِك، لاَ نَقُولُ ذَلِك، بَلْ نَقُول مَنْ أَخَذَ بِاجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ فَوَرَّثَ الجدَّ وَحَرَمَ الإِخْوَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ وَمَنِ اجْتَهَدَ فَأَشْرَكَ الجدَّ وَالإِخْوَةَ فِي المِيرَاث لَيْسَ عَلَيْهِ بَأْس بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ جَائِز، لَكِنَّهُ فِي نَفْسِ الأَمر أَحَدُ الوَجْهَيْنِ عِنْدَ الله تَعَالَى هُوَ الصَّوَاب وَالآخَرُ خَطَأ، هَذَا بِالنِـّسْبَةِ لِمَا فِي عِلْمِ الله لأَنَّهُ فِي عِلْمِ الله لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الاجْتِهَادَيْنِ هُوَ المصِيبَ لِلوَاقِع وَالآخَر خَطَأ، فَلَو كَانَ الوَلِيُّ لاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الخطَأ كَانَ كُلُّهُم أَخَذُوا بِاجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَجْتَهِدُوا مَعَ وُجُودِ اجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ اجْتِهَادًا يُؤَدِّي إِلَى خِلاَفِ اجْتِهَادِ أَبِي بَكر فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الوَلِيَّ يَجُوزُ عَلَيْهِ الخَطَأ. اهـ
 
رحم الله من كتبه ومن نشره.