إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الإجتهاد ليس في كل موضع عذرا يمنع التكفير، بل شرطه أن لا يكون في القطعيات، فالإجتهاد في القطعيات إذا أدّى بصاحبه إلى الكفر لا يعذر أي لا يقال اجتهد فأخطأ فلا يكفر لأن كثيرين من المنتسبين إلى الإسلام اجتهدوا في القطعيات فدخلوا في الكفر فلا يعذرون بل يكفرون ويجري عليهم أحكام المرتد كالفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام وهم خارجون من الإسلام كأبي علي بن سينا والفارابيّ وابن رشد الحفيد وابن تيمية، هؤلاء مالوا الى القول بقدم العالم فلا يعذرون، جعلوا العالم شريك لله بالأزليّة بل يجري عليهم أحكام المرتد، ومعنى تسميتهم اسلاميين ادعاء الإسلام منهم لأنهم لم يعلنوا عن أنفسهم أنهم ينتمون إلى دين غير الاسلام، وقد أوقعهم في الكفر اجتهادهم الفاسد، وقد كفرهم أبو حامد الغزالي في ثلاثة أشياء (لقولهم بأزلية العالم ولإنكارهم حشر الأجساد يوم القيامة ولقولهم الله لا يعلم الجزئيات إلا الكليات)، فمن خالف أصلا من أصول الدين فهو كافر ولو كان يصلي ويصوم ويقول الشهادتين بلسانه.
فقد قال الإمام حبيبُ ابنُ الرَّبيع أحد أكابر المالكية وهو من أصحاب الوجوه الذين يستخرجون الأحكام بالاستنباط من نصوص الإمام مالك رضي الله عنه في كتابه شرح الشفا للقاضي عياض (4 ص 378) (ادّعاءُ التأويل في لفظٍ صُراح ٍ لا يُقْبَلُ) وما ينسب في المذهب من قول أن الصريح يؤول فهذا بعيد وغير مقبول.
ومن هنا يعلم أنه ليس كل متأوّل يمنع عنه تأويله التكفير لأنَّ التأوّل مع قيام الدليل القاطع لا يمنع التكفير عن صاحبه وإلا للزم ترك تكفير اليهود لأنهم على حسب زعمهم اجتهدوا والبوذيّون أيضا اجتهدوا على حسب زعمهم فرأوا أن ما هم عليه حق فدانوا به، فالذي يعتقد أن كلَّ متأول يُعذر مهما كان تأوّله فقد كذب الشريعة.