إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
تَنْزِيهُ الله عن الحد والمكان والجهةِ والحركةِ والسَّكون
هاتان رسالتَان كلتَاهُمَا في العقيدة، مؤلَفُها الشيخ أبو المحاسِن القاوُقْجِي الطَرَابُلُسِي كان في أيام السلطان عبد الحميد، كان هو مشهورا في طرابلس من علماءِ طرابُلُس، يذكُرُ هنا تَنْزِيهُ الله عن الحد والمكان والجهةِ والحركةِ والسَّكون.
يقولُ فلا يقالُ له يمين ولا شِمَال ولا خَلْف ولا أَمَام ولا فَوْقَ العرش ولا تَحْتَه ولا عن يَمِيْنِهِ ولا عن شِمَالِهِ ولا داخلُ العالمِ ولا خارِجٌ عنه ولا يقالُ لا يعلمُ مكانهُ إلاّ هو لأنَّه أثبَتَ مكانًا إنّما يقول بعض المشبهة مجهولٌ لغيره لغير الله أما الله يعلمُهُ فيْهِ اثباتُ المكانِ والتحيز في المكان لله لذلك قال: لا يَجُوْز.
وكذلك من قال لا أعرِفُ الله في السَّماء هُوَ أَمْ في الأَرْضِ كَفَرَ لأنَّه جَعَلَ الأرْضَ أو السماء مَكَانا له إنَّما تردّدَ هلْ هُوَ متحيِّز في السماء أم متحيز في الأرض.
الوهابيةُ هذه العبارة تحرِّفُ معناها، هي هذه العبارة معروفَةٌ عن أبي حنيفة رضي الله عنه أبو حنيفة مرادُهُ لأنه أثبت المكان أما الوهابية يحرِّفُوْنَهَا إلى عقيدتهم يقولون معنى هذه العبارة لأنه تَرَدَّد في أَنَّه في السماء ما جَزَمَ بأنه في السماء لذلك كفر، هذا كلامُ الوهابِيَّة، لكن هذا ليس مراد أبي حنيفة، مرادُ أبي حنيفة أنه أثبتَ المكان إما السَّماء وإمَّا الأرض اثبت التحيز في السماء أو في الأرض ولكنَّهُ مُتَردِّدْ.
هنا أيضا يذكر تنزيهَ الله عن الحركةِ والسكون يقول: المخلوق لا يمكن ثبوت جرم ليس متحركا ولا ساكنا ولا هو مفترق ولا مجتمع، يعني أن الله منزه عن الحركة والسكون لأنه لو كان متحركا لكان له أمثَال ولو كان ساكنا لكان له أمثال فلا يصِحَّ تنزيهُهُ عن المثل إلا بنفي الحركةِ والسكون عنه.
الوهابية يُشَوِّشُون على النَّاسِ عقَائِدَهُمْ يُلَقِّنُونَ هذه، جماعَتُهُمْ يقولون: هؤلاء [يعنون أهل السنة] يقولون الله ليس داخلَ العالم ولا خارجَ العالَم، الله ليس داخِلاً في العالَم ولا خارجًا عنهُ وهذا نَفْيٌ لوجودِ الله، هذا تمويه هذا لا يَرُوْجُ عند من له فهم، لأن الله كان قبلَ العالَم وقبل العالم لم يكن خارج للعالم ولا داخل، معناه خارج بالمسافة، ليس مظروفا للعالَم ولا هو مجاوِرٌ للعالَم لأنّه لو كان مجاورًا للعالم خارِجَهُ لكانَ له أمثالٌ لأنَّ الاتصال من صِفَات المخلوق والانفصال كذلك وذلك لأنه ليس كمية، الشىءُ الذي له كميَّة لا بُدَّ أن يكون إمّا متحركًا أو ساكِنا، أما الموجُوْدُ الذي لَيْسَ كمية يَصِحُّ في حَقِّه أن لا يكونَ متَّصِلا بشىءٍ ولا مُنْفَصِلاً عنه.
ويقول: ويجبُ لله تعالى الكلامُ وهو صِفَةٌ ازليَّةُ قائمةٌ بذاته تعالى تدل على جميع المعلومَاتِ ليس بحرف ولا صوت ولا يوصف بتقدُّمٍ ولا تأخرٍ ولا نَحْوٍ ولا إعراب الموجودُ الذي له كمية لا بُدَّ ان يكون متصلاً أو منفصلاً أما الله ليس موجودًا له كمية لا كمية صغيرة كأصغرِ الكميات ولا كمية كبيرة كالعَرْش فكُلُّ شىءٍ له كمية يحتاجُ لمن أوْجَدَهُ على تلك الكمية فالشَّمس مع عُظْمِ نَفْعِها لا يَصِحُّ أنْ تكون الها لماذا؟ لأنها لها كمية لها حدٌّ ومِسَاحَة ومِقْدَار يَحتاجُ إلى منْ أوْجَدَهُ على ذلك المقْدَار فلا تَصِحُّ الألوهيَّةُ للشَّمْسِ والله لو كان له كمية لاحتاج لمن أوجده على تلك الكمية إلى من خصَّصَه بتلك الكمية أما أن يقال هو خصّصَ نَفْسَه بتلك الكمية فهذا مستحيلٌ عقلاً لأن الشىءَ لا يجعلُ نَفْسَه على شَكل وكمية كما أنه لا يُخْرِجُ نَفْسَه من العدم إلى الوجود لذلك وجب أنَّ الله تعالى موجودٌ بلا ابتداء فلا يحتاجُ إلى موجِدٍ أوجده أما الشىءُ الذي لوجوده ابتداء فيحتَاجُ إلى من أوجدَه على ذلك الحدِّ الذي هو عليه وعلى ذلك الشكل وكُلُّ شىء يتحوَّلُ من حالٍ إلى حال لا يكونُ صالحًا للأُلوهية.
الكواكِبُ والشمسُ والقمرُ إبراهيم استدل على أنها لا تَصْلحُ أن تُعْبَدَ كما كان قومُهُ يعبدونَ هؤلاءِ لأن هؤلاءِ يتحولْنَ من حالٍ إلى حال، الشمسُ تتحول من حال إلى حال، والقمر والكوكب كُلٌّ، قال (إني لا أحِبُّ الآفلين)، مَعناهُ لا يصلح للألوهية، كل شىء يتحول من حال إلى حال، هو الذي يتفكر في الخالق لا يصِلُ إلى معرفةِ الله إنَّما يدور في التَّشْبِيْهِ لتصويرِ الله تعالى بشكلٍ من الأشكال، الله تعالى لا يستطيعُ العقلُ أن يُصَوّرَهُ.
يَجِبُ أن يُؤْمَن بوجوده من غير تصويرٍ له، الذي يحاول تصويرَهُ لا يصلُ إلى معرِفَتهِ يبقى على الجهلِ بخالقِهِ يكونُ على الكفْرِ حتى يُقْلِع عن ذلك ويعتَقِد أنه موجود لا يصوِّرُهُ العقل. اهـ