إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
أهل اللغة يقولون الإطلاق اللفظي على الحقيقة يكون إما حقيقة لغوية وهي أن يستعمل اللفظ في المعنى الذي هو في الأصل موضوع له في اللغة مثلاً كلمة البحر بمعنى مجمع البحر الكبير هذه حقيقة لغوية أما اذا استعملنا البحر بمعنى الإنسان الكريم فهنا يكون استعمل بغير المعنى الذي وضع له في اللغة فهذا ليس حقيقة لغوية بل هو مجاز، وحقيقة شرعية فهو أن يستعمل اللفظ بالمعنى الذي وضع له في الشرع أصلاً مثل الصلاة وضعت في الشرع أصلاً لأفعال معلومة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، وحقيقة عرفية يعني أن هناك ألفاظاً موضوعة في العرف لمعنىً معين، استعمالها في المعنى الذي وضعت له يقال عنه حقيقة عرفية مثل الدابة في عرف الناس معناها البهيمة التي لها أربع أرجل كالحمار، في عرف الناس هذا الذي يخطر على الذهن أول ما يسمع كلمة دابة لكن في الأصل في اللغة ليس هذا معناها بل معناها في اللغة الحيوان، كل ما يدب على وجه الأرض، كل ما له روح هو دابة، فإذا استعملنا الدابة بمعنى البهيمة ذات الأرجل الأربعة بالعرف، إذا كنا نتكلم على حسب العرف يكون هذا حقيقة عرفية.
جاء في الحديث (احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) أي أَطِعِ اللهَ يَنْصُرْكَ، قَال السُّيوطِيُّ فِي قُوْتِ الْمُغْتَذِي عَلَى جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ (قَالَ الفَاكِهَانِيُّ تَجِدْهُ مَعَك بالحِفْظِ والإِحَاطَةِ والتَّأْيِيدِ حَيْثُ مَا كُنْتَ، فَالجِهَةُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُحَالٌ).
وقالَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) معناها أيِ اعْبُدْ رَبَّكَ، الزَمْ عِبادَتَهُ، واسْتَقِمْ عليهَا إِلى أنْ يُوافِيَكَ الأَجَلُ، هذا المعنى الذي اتَّفَقَ عَلَيهِ المسلمونَ أَنَّهُ لا يَسقُطُ عَنِ الإِنسانِ فَرائِضُ اللهِ إِلى أَن يَموتَ، لا يَسقُطُ عَنهُ فَرضُ صَلاةٍ أَو صِيامٍ.
وقال قاضي الصحراء أبو بكر (1) محمد بن الحسن المُرادي الحضرمي القيرواني ثم الموريتاني (ت 489 ھ) في عقيدته ما نصه (اعلم أنه لا يُسأل (عنه) سبحانه بكيف (لأنه لا مثل له) ولا بما (لأنه لا جنس له) ولا بمتى (لأنه لا زمان له) ولا بأين (لأنه لا مكان له).
وقال الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي (2) المالكي البجائي الجزائري (المتوفى سنة 768 هـ) في مقدمته (المقدمة الوغليسية) قال في تنزيه الله تعالى ما نصه (ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، منزه عن التركيبات والتحديدات والتقديرات وعن صفات المتحيزات ولواحق المحدثات، وهو خالق الموجودات وما يجري عليها من التبديلات والتغييرات، واحد لا شريك له (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير).
أماتنا الله على عقيدة الأنبياء وحشرنا معهم وجمعنا مع سيّد الأوّلين والآخرين في جنّات النّعيم.
(1) في القرن الخامس الهجري ولد القاضي المُرادي في القيروان وتلقى تعليمه الأولي فيها ثم دخل بلاد الأندلس وانتقل في زمن دولة المرابطين إلى آزوكي في صحراء موريتانيا حيث تولى القضاء وعُرف بقاضي الصحراء كان رجلا نبيها عالما وإماما في أصول الدين وكانت وفاته في هذه المدينة سنة 489 ھ، وقبره فيها يزار إلى الآن.
(2) اعتنى أهل العلم بكتاب المقدمة الوغليسية فتجلى ذلك في ما سجَّلته كتب التراجم والفهارس من شروح عليها حيث تهافت العلماء لشرحها مما ساعد على شهرتها وانتشارها وكانت وفاة الشيخ أبي زيد الوغليسي في سنة 786 هـ وقد تم دفنه في بجاية في الجزائر ومن تلاميذه الشيخ عبد الرحمن الثعالبي صاحب الجواهر الحسان في تفسير القرآن رحمهما الله ونفعنا ببركاتهم ءامين.