إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾، مَا مَعْنَى الآيَةِ؟
مَعْنَاهُ مَنْ سَامَحَ وَصَبَرَ عَلَى أَذَى غَيْرِهِ هَذَا أَمْرٌ حَسَنٌ، اللهُ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُسَامِحَ المُسْلِمُ النَّاسَ الَّذِين يُسِيْئُوْنَ إِلَيْهِ، هَذَا حَالُ الأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا حَالُ الأَوْلِيَاءِ، يَغْفِرُوْنَ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِم أَيْ يُسَامِحُوْنَ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِم، يُقَابِلُوْنَ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ.
زَيْنُ العَابِدِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَبَّهُ شَخْصٌ فِي وَجْهِهِ وَأَهَانَهُ وَمَعَ سَيِّدِنَا زَيْنِ العَابِدِيْنَ أَقَارِبُهُ الَّذِيْنَ يُحِبُّوْنَهُ وَيُدَافِعُوْنَ عَنْهُ، هَذَا الشَّخْصَ لَمَّا كَرَّرَ السَّبَّ وَزَيْنُ العَابِدِيْنَ كَأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ، قَالَ ذَاكَ الشَّخْصُ مِنْ خُبْثِهِ: إِيَّاكَ أَعْنِي، فَقَالَ زَيْنُ العَابِدِيْنَ: وَعَنْكَ أُغْضِي، ثُمَّ فَوْقَ هَذَا أَحْسَنَ إِلَيْهِ أَعْطَاهُ ذَهَبًا. وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ حُسْنِ صُوْرَتِهِ وَحُسْنِ هَيْبَتِهِ لَهُ هَيْبَةُ المُلُوْكِ، وَمَعَ هَذَا كَانَ يُحْسِنُ لِلنَّاسِ مَعَ الَّذِي يُحْسِنُ إِلَيْهِ وَمَعَ الَّذِي يُسِيْءُ إِلَيْهِ.
وَسَيِّدُنَا أَحْمَدُ الرِّفَاعِيُّ كَانَ كَذَلِكَ مُتَوَاضِعًا جِدًّا، يُسِيْءُ إِلَيْهِ الشَّخْصُ وَهُوَ يُظْهِرُ لَهُ الرَّحْمَةَ وَالرِّفْقَ، حَتَّى إِنَّهُ لَقِيَهُ يَهُوْدِيٌّ غَنِيٌّ عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ اليَهُوْدِ وَكَانَ سَيِّدُنَا أَحْمَدُ مَعَهُ حَشَمٌ وَسَمِعَ أَنَّ سَيِّدَنَا أَحْمَدَ كَانَ بَلَغَ الغَايَةَ فِي التَّوَاضُعِ، فَقَالَ: أُجَرِّبُ هَذَا السَّيِّدَ، فَقَالَ: يَا سَيِّدُ أَنْتَ أَفْضَلُ أَمِ الكَلْبُ؟ فَقَالَ: إِنْ نَجَوْتُ عَلَى الصِّرَاطِ فَأَنَا أَفْضَلُ، فَبَكَى اليَهُوْدِيُّ وَأَسْلَمَ هُوَ وَأَهْلُهُ.