إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
الرِّضَا عَنِ اللَّهِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ لَهُ وَتَرْكِ الاِعْتِرَاضِ، وَتَعْظِيمُ شَعَائِرِ اللَّهِ
يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَرْضَى عَنِ اللَّهِ أَيْ لا يَعْتَرِضَ عَلَى اللَّهِ اعْتِقَادًا وَلا لَفْظًا، بَاطِنًا وَظَاهِرًا فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِه، فَيَرْضَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي تَقْدِيرِهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالْحُلْوَ وَالْمُرَّ وَالرِّضَا وَالْحُزْنَ وَالرَّاحَةَ وَالأَلَمَ مَعَ التَّمْيِيزِ فِي الْمَقْدُورِ وَالْمَقْضِيِّ فَإِنَّ الْمَقْدُورَ وَالْمَقْضِيَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، وَالْمَقْضِيُّ الَّذِي هُوَ مَحْبُوبٌ لِلَّهِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُحِبَّهُ وَالْمَقْضِيُّ الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْمُحَرَّمَاتِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكْرَهَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْرَهَ تَقْدِيرَ اللَّهِ وَقَضَاءَهُ لِذَلِكَ الْمَقْدُورِ.
فَالْمَعَاصِي مِنْ جُمْلَةِ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَقْضِيَّاتِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ كَرَاهِيَتُهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكْرَهُهَا وَنَهَى عِبَادَهُ عَنْهَا، فَلَيْسَ بَيْنَ الإِيْمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَبَيْنَ كَرَاهِيَةِ بَعْضِ الْمَقْدُورَاتِ وَالْمَقْضِيَّاتِ تَنَافٍ لأِنَّ الَّذِي يَجِبُ الرِّضَا بِهِ هُوَ الْقَدَرُ الَّذِي هُوَ تَقْدِيرُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ وَالْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَجِبُ كَرَاهِيَتُهُ فَمَا كَانَ مِنَ الْمَقْدُورَاتِ وَالْمَقْضِيَّاتِ مُحَرَّمًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَأَمَّا تَعْظِيمُ شَعَائِرِ اللَّهِ فَهُوَ عَدَمُ الاِسْتِهَانَةِ بِهَا.