إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
رِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ بِجَوَازِ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا لَكِنْ لَا يُعْمَلُ بِهَذَا، وَنَقُولُ إِنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ وَجَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الفَتْوَى علَى تَحْرِيم إِتْيَانِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَأَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ، وَفِيه تَأْيِيدِ مَا قُلْنَا أَحَادِيثُ تَزِيْدُ عَلَى العَشَرَةِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَةً حَائِضًا وَلَا إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا) قَالَ مُلَّا عَلِيٌّ القَارِي فِي المِرْقَاةِ أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ وَرِعَايَةٍ، وَحَدِيثُ خُزَيْمَةَ مَرْفُوعًا (إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ).
قَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ فِي التَّوْضِيحِ (وَيُؤَيِّدُ الجُمْهُورَ رَدُّ الزَّوْجَةِ بِالرَّتَقِ وَالقَرَنِ، إِذْ لَو سَاغَ الانْتِفَاعُ بِغَيْرِ فَرْجِهَا بِالوَطْئِ لَمَا رُدَّتْ).
قَالَ بَدْرُ الدِّيْنِ العَيْنِيُّ فِي شَرْحِ البُخَارِيِّ عَنِ الآيَةِ ﴿نِسَاؤُكُم حَرْثٌ لَكُم فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتُمْ﴾ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فَأَخْرَجَتِ الْآيَةَ عَنْ عُمُومِهَا وَأَقَصَرَتْهَا عَلَى إِبَاحَةِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَلَكِنْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ.
وَقَالَ القَرَافِيُّ فِي الذَّخِيْرَةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قُلْتُ لِمَالِكٍ (إِنَّهُمْ حَكَوْا عَنْكَ حِلَّهُ، فَقَالَ مَعَاذَ الله،ِ أَلَيْسَ أَنْتُمْ قَوْمًا عَرَبًا؟ قُلْتُ بَلَى، قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، وَهَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الزَّرْعِ أَوْ مَوْضِعِ النَّبْتِ؟! وَقَالَ إِسْرَائِيلُ بْنُ رَوْح: سَأَلْتُهُ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَقَالَ مَا أَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ، هَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الزَّرْعِ، أَلَا تَسْمَعُونَ اللَّهَ يَقُولُ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ قَاعِدَةً وَقَائِمَةً وَعَلَى جَنْبِهَا، وَلَا يَتَعَدَّى الْفَرْجَ، قُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنَّهُمْ يَنْقُلُونَ عَنْكَ حِلَّهُ، فَقَالَ يَكْذِبُونَ عَلَيَّ، يَكْذِبُونَ عَلَيَّ، يَكْذِبُونَ عَلَيَّ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، عِنْدَنَا قَوْمٌ بِمِصْرَ يُحَدِّثُونَ عَنْكَ أَنَّكَ تُجِيزُ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، فَقَالَ كَذَبُوا عَلَيَّ، فَالرِّوَايَاتُ مُتَظَافِرَةٌ عَنْهُ بِتَكْذِيبِهِمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْهِ). اهـ
وجاء في التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، كتاب النكاح (وَيَحِلُّ كُلُّ اسْتِمْتَاعٍ إِلا الإِتْيَانَ فِى الدُّبُر ونُسِبَ تَحْلِيلُهُ إِلَى مَالِكٍ فِى كِتَابِ السِّرِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وعَنِ ابْنِ وَهْبٍ سَأَلْتُ مَالِكاً عنه وقُلْتُ إِنَّهُمْ حَكَوْا أَنَّكَ تَرَاهُ فَقَالَ مَعَاذَ اللهِ وتَلا (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) وقَالَ لا يَكُونُ الْحَرْثُ إِلا فِى مَوْضِعِ الزَّرْعِ) قال الشيخ خليل رحمه الله (لما خرجه النسائى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استحيوا من الله حق الحياء ولا تأتوا النساء فى أدبارهن) ولما خرجه أيضاً عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة فى الدبر) ولما خرجه أبو داود عن أبى هريرة أيضاً عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال (ملعون من أتى المرأة فى دبرها) فإن قيل قوله تعالى (أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة 223) يقتضى إباحته لأن المعنى حيث شئتم، قيل هذا غير صحيح لما رواه مسلم وغيره عن جابر قال كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل المرأة من دبرها فى قبلها كان الولد أحول فنزلت (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة 223) قال جابر إن شاء مجبية وإن شاء غير أن ذلك فى صمام واحد.
وعلى هذا فمعنى (أَنَّى شِئْتُمْ) كيف شئتم والمفسرون وإن اختلفو فى تفسير الآية فينبغي أن يعتمد على ما ذكرناه لموافقته الحديث الصحيح وقد تقدم ما يتعلق بكتاب السر فى المسح على الخفين.
ابن عبد السلام ولمالك فى اختصار المبسوط جوازه (1) وقال هو أحل من شرب الماء البارد وحكى عن ابن عمر مثله) انتهى.
(1) وَهُوَ مَجْهُولٌ كَما ذُكِرَ فَوق.