إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
لَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبَشَرِ عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ
قَامَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ إِلَى الإِسْلامِ بَعْدَ أَنِ انْقَطَعَ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِي الأَرْضِ مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ، يَعْنِي لَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْبَشَرِ عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ (1) فَعَرَبُ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ كَانُوا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، وَأَهْلُ فَارِسٍ كَانُوا يَعْبُدُونَ النَّارَ، وَسَائِرُ أَهْلِ الأَرْضِ كَانَتْ لَهُمْ أَصْنَامٌ أَوْ أَشْيَاءُ أُخْرَى يَعْبُدُونَهَا، فَقَامَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إِلَى الإِسْلامِ مُؤَيَّدًا بِمُعْجِزَاتٍ تَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ فَهُوَ مُجَدِّدُ الدَّعْوَةِ، فَدَخَلَ الْبَعْضُ فِي الإِسْلامِ كَالْجَعْدِ بنِ قَيْسٍ الْمُرَادِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ بِسَبَبِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الْجِنِّيِّ الَّذِي كَانَ فِي أَيَّامِ كَانَ عِيسَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَدَعَى إِلَى الإِسْلامِ إِلَى أَنْ أَدْرَكَ زَمَانَ مُحَمَّدٍ فَآمَنَ بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، وَجَحَدَ (2) بِنُبُوَّتِهِ أَهْلُ الضَّلالِ الَّذِينَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا قَبْلًا كَفِرْقَةٍ مِنَ الْيَهُودِ عَبَدَتْ عُزَيْرًا فَازْدَادُوا كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ، وَأَمَّا عُزَيْرٌ فَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِنُبُوَّتِهِ.
وَءَامَنَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ عَالِمِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَهِ، وَأَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ اتَّبَعَ الرَّسُولَ اتِّبَاعًا كَامِلًا وَمَاتَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلاةَ الْغَائِبِ يَوْمَ مَاتَ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ كَانَ يُرَى عَلَى قَبْرِهِ فِي اللَّيَالِي نُورٌ وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا كَامِلًا وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
يَعْنِي مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَالِمَ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَلامٍ وَهُوَ مِنَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَمِنْهُمُ النَّجَاشِيُّ الَّذِي عَاشَ بَعْدَ إِسْلامِهِ سَبْعَ سَنَوَاتٍ، وَلَمَّا مَاتَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَصْحَمَةُ اسْمُ النَّجَاشِيِّ.
(1) عندما أُرْسِل سيدنا محمدٌ عندما نزل عليه الوحى لم يكن بين الناس فى ذلك الوقت مسلمٌ غيرُه، سيدُنا عيسى فى السماء كان، وسيدُنا الخضر أغلبُ وقته على الماء، إنما يأتى إلى هذا الرجل الصالح يرشِدُه إلى أمر وإلى ذاك يرشده إلى أمر وإلى ذاك يرشده إلى أمر.
(2) (جَحَدَ) أَيْ أَنْكَرَ.