إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

إجماع علماء المسلمين على أنّ من طلّق زوجته ثلاثا في كلمة واحدة وقع ثلاثا
 
بيان ذكر الإجماع على لزوم الثلاث بكلمة واحدة
 
ليعلم أنه قد ثبت إجماع الصحابة الكرام رضي الله عنهم ومن بعدهم من الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل بل وسائر السلف الصالح رضي الله عنهم على ما ذكرناه من وقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد ثلاثا وهذا الإجماع قد نقله غير واحد منهم مجد الدين ابن تيمية محرر مذهب الحنابلة في كتابه المنتقى من أخبار المصطفى ج 2 ص 602 حيث قال ما نصه بعد أن ساق أحاديث الباب (وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة). اهـ
 
وكذلك ممن نقل الإجماع القاضي ابن رشد المالكي في كتاب المقدمات ص 385 حيث قال ما نصه (لا يشذُّ في ذلك إلا من لا يُعتد بخلافه). اهـ
 
ومثله ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري ج 9 ص 365 فقال ما نصه (وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، ثم قال فالمخالف بعد هذا الإجماع مُـنـابذٌ لـه والجمهور على عدم اعتبار مَن أحدث الاختلاف بعد الاتفاق). اهـ
 
ومثله ذكر ملا علي القاري الحنفي في شرح المشكاة ج 3 ص 485 فقال ما نصه (فماذا بعد الحق إلا الضلال وعن هذا قلنا لو حكم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه لأنه لا يسوغ الإجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف). اهـ
 
وكذا نقل الإجماع على لزوم الثلاث دفعة واحدة الإمام المجتهد أبو بكر إبراهيم بن المنذر في كتابه الإجماع ص 103 حيث قال ما نصه (وأجمعوا على أنه إن قال لها أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إنها تطلق ثلاثا). اهـ
 
وذكر أيضا في كتابه الإشراف ج 4 ص 165 فقال ما نصه (وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من طلق زوجته أكثر من ثلاث أن ثلاثا منها تحرمها عليه). اهـ
 
وكذا ذكر الإجماع على ما ذكرناه الشيخ موفق الدين بن قدامة الحنبلي في كتابه المغني ج 8 ص 408 فقال ما نصه (إذا قال لامرأته أنت طالق ثلاثا فهي ثلاث وإن نوى واحدة، لا نعلم فيه خلافا لأن اللفظ صريح الثلاث والنية لا تعارض الصريح). اهـ
 
وكذا في إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين للحافظ الإمام خاتمة اللغويين مرتضى الزبيدي ج 6 ص 220 فقال ما نصه (واختلفوا مع الاتفاق على الوقوع ثلاثا هل يُكره أو يحرم أو يباح أو يكون بدعيا أو لا). اهـ
 
ومثله نقل إجماع الصحابة الشيخ عبد القادر بن عمر الشيباني وإبراهيم بن محمد بن ضويان الحنبليان في كتاب المعتمد في فقه أحمد ج 2 ص 256.
 
وذكر ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم عن ابن بطة ج 2 ص 255 ما نصه قال (لو طلق ثلاثا في لفظ واحد فحكم القاضي بالمراجعة من غير زوج فحكمه مردود وعلى فاعله العقوبة والنكال). اهـ
 
وكذلك ذكر الونشريسي المالكي في كتابه المعيار المعرب ج 4 ص 437 ما نصه (رسالة أبي محمد الباجي في الرد على من رأى الثلاث واحدة القائل بهذا خارجي مبتدع في الإسلام بدعة عظيمة فإذا لم تقطعها أنت ومثلك ذهب الناس وصاروا كلهم أولاد زنى، وهو أمر أجمع عليه أهل الفتيا والأيمة بالأمصار كلها لم يختلف منهم فيه مختلف). اهـ
 
وممن نقل الإجماع على لزوم الثلاث دفعة أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك المعروف بابن بطال في شرحه على البخاري ج 9 ص 390 فقال ما نصه (اتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع طلاق الثلاث في كلمة واحدة فإن ذلك عندهم مخالف للسنة وهو قول جمهور السلف والخلاف في ذلك شذوذ وإنما تعلق به أهل البدع ومن لا يُلتفتُ إليه لشذوذه عن الجماعة التي لا يجوز عليها التواطؤ على تحريف الكتاب والسنة). اهـ
 
وقد نقل شهاب الدين القسطلاني في كتابه إرشاد الساري شرح صحيح البخاري ج 12 ص 17 عن الشيخ كمال الدين بن الهمام ما نصه (واختلفوا مع الاتفاق على الوقوع ثلاثا هل يُـكره أو يحرم أو يُـباح أو يكون بدعيا أو لا)؟ اهـ
 
وكذا نقل الإجماع على وقوع الثلاث مجتمعة بكلمة واحد الجصاص في أحكام القرءان ج 2 ص 86 حيث قال ما نصه (فالكتاب والسنة وإجماع السلف توجب إيقاع الثلاث معا). اهـ
 
وكذلك ممن نقل الإجماع على لزوم الثلاث دفعة واحدة الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرءان ج 3 – 129 فقال ما نصه (قال علماؤنا واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة وهو قول جمهور السلف). اهـ
 
وقال ابن الهمام في فتح القدير كما نقله الشيخ محمد زاهد الكوثري في كتابه الإشفاق على أحكام الطلاق ص 32 ما نصه (لا تبلغ عدة المجتهدين الفقهاء من الصحابة أكثر من عشرين كالخلفاء والعبادلة وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأنس وأبي هريرة رضي الله عنهم وقليل سواهم والباقون يرجعون إليهم ويستفتون منهم، وقد أثبتنا النقل عن أكثرهم صريحا بإيقاع الثلاث ولم يظهر لهم مخالف فماذا بعد الحق إلا الضلال وعن هذا قلنا لو حكم حاكم بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه فهو خلاف لا اختلاف والرواية عن أنس بأنها ثلاث أسندها الطحاوي وغيره). اهـ
 
فانظر إلى قوله ولم يظهر لهم مخالف مع قوله فهو خلاف لا اختلاف، تصريح منه بأنه إجماع على وقوع الثلاث مجتمعة بكلمة واحدة.
 
قال الشيخ أحمد الصاوي المالكي في حاشيته على الجلالين حاشية الصاوي ج 1 ص 107 عند قوله تعالى (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) (سورة البقرة 230) الآية ما نصه (أي طلقة ثالثة سواء وقع الاثنتان في مرة أو مرتين والمعنى فإن ثبت طلاقها ثلاثا في مرة أو مرات فلا تحل، كما إذا قال لها أنتِ طالق ثلاثا أو البتة وهذا هو المجمع عليه، وأما القول بأن الطلاق الثلاث في مرة واحدة لا يقع إلا طلقة فلم يعرف إلا لابن تيمية من الحنابلة وقد رد عليه أئمة مذهبه حتى قال العلماء إنه الضال المضل ونسبتهما للإمام أشهب من أئمة المالكية باطلة). اهـ
 
وقال أبو الوليد محمد بن رشد في كتابه المقدمات الممهدات ص 385 بعد أن ذكر أن من طلق زوجته ثلاثا في كلمة واحدة وقع ثلاثا ما نصه (وهو مذهب جميع الفقهاء وعامة العلماء لا يشذ في ذلك عنهم إلا من لا يعتد بخلافه منهم). اهـ
 
فهذه نُقول فحول أهل العلم تدل على اتفاق العلماء على أن الطلاق الثلاث إذا جمع في لفظة واحدة في مجلس واحد يقع بالثلاث وهذا إجماع جميع المجتهدين وليس فقط الأئمة الأربعة وأن المخالف في هذا شاذ لا يعتد بخلافه ويستحق العقوبة والنكال.