إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد:
شرح صفة الكلام لله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم والحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهمّ لا سهلَ إلا ما جعلتهُ سهلًا وأنتَ تجعلُ الحَزنَ إذا شِئتَ سهلًا، كما تقدّم في عديد الدروس عندنا بموقع سحنون نقول (مهما خطر ببالك فالله لا يُشبه ذلك) ومسألة صفة الكلام لله تعالى مسألة مهمة ومن أهم المسائل التي تكلم بها العُلماء واهتموا بشرحها.
نقول وبالله التوفيق:
الله تعالى موصوفٌ بصفة الكلام، وبما أنها صفةٌ لله تعالى فهي ليست كصفات المخلوقين وليسَت كما يخطُر للبشر، كلام الله واحِدٌ غير مُتعدِّد. فكلامنا مُتعدِّد وكلام الله ليسَ ككلامنا، كلام الله ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً وليسَ بانسلال هواء ولا باصطكاك أجرام، نحن كلامنا بحرف وصوت ولغة وكلام الله لا يُشبه كلام المخلوقين، كذلك كلامنا يكون بانسلال هواء وتحرك الأجرام فيكون هذا الكلام مخلوقًا، كلام الله ليسَ له بداية وليسَ له نهاية لأنه صفةٌ لله تعالى.
واعلموا أنّ أهل السنة والجماعة وسطٌ بين طرفيّ شُذوذ وسطٌ بين شذوذ المُشبهة وشذوذ المُعطِّلة.
قالت المُجسِّمة المُشبّهة الله مُتكَلِّم بكلام هو حروف وأصوات متعددة يحدثُ فى ذاته ثم ينقطع، ثم يحدث ثم ينقطع والعياذ بالله تعالى.
وأمّا المعتزلة فقالوا لا يُوصف بصفة الكلام وإنما كلامه تعالى حروف وأصوات يخلقها في غيره كاللوح أو جبريل أو الرسول وهو حادث أي مخلوق والعياذ بالله تعالى.
أهل السُّنة أثبتوا الصفة ولكن من غير تشبيه، ما قالوا بالتعطيل ولا بالتشبيه بل قالوا إنّ كلام الله ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً لأنه لو كان حرفًا أو صوتًا أو لغة لكان ككلام المخلوقين.
لما نقول (بسم الله الرحمن الرحيم) بدأنا بحرف الباء ثم انتهينا منه وبدأنا بحرف السين وهكذا كلامنا حروف وأصوات ومتقطّع وله نهاية، فإذا سكتنا انقطع وانتهى، وكلام الله يستحيلُ أن يكون هكذا.
ونحن نتكلم عن صفة الكلام لله وهناك فرق بين الصفة وبين ما يَدُلّ على الصفة، أو ما يُعبّرُ عن الصفة.
هذا ما كان عليه السلف الصالح فقد صرّحَ الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وهو من أساطين علماء السلف فقد وُلدَ سنة ثمانين للهجرة في كتابه الفقه الأكبر (و يتكلم لا ككلامنا نحن نتكلم بالآلات من المخارج والحروف والله مُتَكَلّم بلا ءالة ولا حرف). انتهى
وكلام الله الذي هو صفةٌ له ليسَ مخلوقًا، ومن قال أنّ كلام الله ويعني صفةُ الكلام لله تعالى مخلوقة فقد كفر لأنه جعل الحُدوث يطرأ على الله، فمن كانت له صفةٌ مخلوقة فذاته مخلوق، والله ليسَ كذلك.
ولقد حصلت في زمن سيّدنا الإمام أحمد بن حنبل فتنة شديدة فقد حصلت مسألة (خلقٌ القُرآن) فأراد بعض الشاذين والذين يُريدون أن يُبدّلوا دين الله أن يقولوا عن صفة الكلام لله أنها مخلوقة، وهذا كلامٌ خطير فيه نسبة الحُدوث للخالق والعياذ بالله تعالى.
والذي حصل أنّ الإمام أحمد عُذِّبَ حتى يقول القرءان مخلوق وما قال، ما تزحزح عن عقيدته، وقيل كان عدد كبير من الجلادين يتناوبون على جلده ومع ذلك بقي على الحق.
ولكن قد يسأل سائِلٌ القُرآن الذي نقرأه وهو الذي له بداية وله نهاية وهو حروفٌ ويُقرأ بصوتٍ وحرف وهو باللغة العربية، ماذا نقول عنه؟
الجواب: القُرآن بمعنى اللفظ المنزل هو حروفٌ ومتقطع ونقرأه بصوت فكيف نُوفِّق بين هذا الأمر وبين كلام الله الذي هو صفة الله.
يقول أهل السُّنة والجماعة كلام الله يُطلق ويُرادُ به معنيان:
الأول يُطلَقُ ويُراد به صفة الكلام لله تعالى فإذًا هو ليسَ حرفًا ولا صوتًا ولا لُغةً ولا مُتقطّع ولا انتهاءَ له وغيرَ مُبتَدأ وليسَ بانسلال هواء وليس باصطكاك أجرام.
الثاني يُطلَقُ ويُراد به اللفظُ المُنزَّلُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بين الدّفتين، وهو حرفٌ وصوتٌ ولغة عربية، فهذا اللفظ هو يدل على كلام الله الأزليّ الأبدي، بمعنى أنه عبارات عن كلام الله الذي ليس حرفًا ولا صوتًا، وليس هو عين صفة الكلام لله.
قال الله تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، قال الإمام أبو منصور الماتُريديّ (إنه عبارة عن سُرعة الإيجاد)، فما أرادهُ الله لا بُدّ أن يكون، يعني ما شاء أن يكون لا بُدّ أنْ يكون في الوقت الذي شاء الله فيه أن يكون ولا تأخُّـرَ في خَلْقِ الله لما شاء.