إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمّدٍ الصادقِ الوعدِ الأمينِ وعلى إخوانِهِ النبيّينَ والمرسلينَ ورضيَ اللهُ عن أمهاتِ المؤمنينَ وآلِ البيتِ الطاهرينَ وعنِ الخلفاءِ الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ وعن الأئمةِ المهتدينَ أبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وعن الأولياءِ والصالحينَ، أمّا بعد فإنّ صوم رمضَان لهُ حُكمٌ يتعَلّق بابتدائه وحُكْم يتعلقُ باختِتامِه أمّا الحُكم الذي يتعلّق بابتدائِه هوَ أن يكونَ ابتداءُ الصّوم على رؤية الهلال أو على استكمال شهرِ شَعبان ثلاثينَ يومًا، مَن عرَف متى دخلَ شَهر شعبان برؤية هلال شَهر شعبان فاستكمَل ثلاثينَ يومًا ليسَ عليه أن يرَى هلال رمضان إن رأَى أو لم ير يصُوم صارَ فَرضًا عليه أن يصومَ رمضان، فإنْ لم يرَ ولا عرَف أن شهرَ شَعبان استكملَ عدَده ثلاثين إن أثبَت القاضِي الشّرعي قال ثبَت عندَنا رؤية هلالِ رمضانَ يجُوز أن يصُوم، وإن سمِع الإثباتَ في بلدٍ آخَر مَهْمَا كانَ بعيدًا كمَكّة أو اليمَن أو المغرب إذا علِمَ أنّه ثبَت هلال رمضانَ في بلْدَةٍ مِن بلادِ المسلمين بواسطَة الإذاعة وتأكّدَ من ذلكَ يجوزُ له أن يصوم، هذا مذهبُ أبي حنيفةَ ومالِك، أمّا عندَ الإمام الشافعي إنْ كانَ أهلُ البلَد لم يرو الهلال لا يصومونَ برؤيةِ بلْدَةٍ بعيدةٍ تختلفُ عن هذه البلدَة في الشّروق والغروب، ليسَ عليه أن يصومَ عندَ الشّافعي إلا أن يستكمل شعبان ثلاثين يوما، لكن اليوم تَطبيق مذهَب الشافعي في بعضِ المسائل صَعبٌ فيه عُسر، نَحنُ نَصُوم على ما يوافِق مذهَب أبي حنيفةَ ومذهبَ مالِك، فإذَا علِم أحَدُنا أنّهُ أثبت رؤية هلال رمضانَ بواسِطة الرّاديو فيجوزُ أن نصُوم.
أمّا الأصلُ الذي ورَد عن رسول الله فهو (صُومُوا لرؤيتِه وأفطِرُوا لرؤيتِه) ثم إذا لم يتيسّر رؤية الهلال فيأخُذ بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم (فإن غُمَّ علَيكم فأكملُوا عِدّة شعبانَ ثلاثينَ يومًا) فإنْ (غُمّ علَيكُم) أي حالَ بَينَكُم وبينَ رؤيةِ هِلال رمضانَ الغَيم، إنْ منَعَكُم الغَيم فأكمِلُوا عِدّة شعبانَ ثلاثين، وروى الإمام مَالِكٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ) قال أبو الوليد سليمان بن خلف القرطبي الباجي الأندلسي رحمه الله (ولَا يُقْبَلُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ (وقبله الشافعيّ) يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ (الشاهد) الْوَاحِدُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْحُقُوقِ.
ثم إنّ الله تبارك وتعالى جعَل للصّيام مَبدَأً ومَختَمًا، أمّا مَبدَؤه فالفَجر والفَجر هو ضَوءٌ يَظهَرُ بالأفُق الشّرقي معترضًا بالعَرض ثم ينتَشر ويزدادُ ظُهورًا، مَن أكَل أو شَرب بعدَ هذا البَياض فلا صِيامَ له، وأمّا آخر الصّيام فغُروب الشمس وغروبُ الشّمس يُعرف بمغيب قُرص الشّمس كلّه فإن لم يستَطع رؤيةَ غرُوب الشمس ينظُر إلى أعَالي الجبال والأبنِيَة فإن لم يَبق عليها شُعاع الشّمس عرَف بذلك غروبَ الشمس، أو ينظُر إلى المشرِق فإنْ أَقبَل الظّلامُ مِن المشرق عرَف بذلك دخولَ وَقت المغرب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا غرَبت الشمسُ مِن هاهُنا وأقبَل الظّلامُ مِن هَاهنا فقد أفطَر الصّائم) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، أي حلَّ إفطارُه، وإنْ كانَ يَظهر مِن جهةِ المغرب أثَرُ الشّمس أثرُ ضَوءِ الشّمس هذا لا يمنَعُ الأكل والشُّربَ.
مَرّةً كانَ الرّسول صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ وكانَ معَه زادٌ يُقالُ لهُ السَّويقُ، فقال لواحِدٍ مِنَ الصحابة انزِل أي عَن دابّتِك فاجْدَح لنا، معنى اجْدَح اخلِط لنا هذا السَّويق بالماء لنُفطِرَ به، السَّويقُ هو الشّعير يُحمَّصُ ثم يُطحَن، هذا يُتّخَذُ زادًا، في السّفَر يُبلُّ بالماءِ ويُشرَب، فهذا يُبرِّدُ ويُذهِبُ العطَش ويكسِر الجوع، فقال الرّجُل يا رسولَ الله إنّ علَيك نهارًا، هذا الرّجُل كانَ يَنظُر إلى أثَر الشّعاع مِن جِهة المغرب فقال الرسول (إذَا أَقبَل الليلُ مِن هاهُنا فقد أفطَر الصّائم) منَ المشرق إذا أقبَل الليلُ فقَد بلَغ وقتُ الإفطار، معناه الآنَ جاءَ الظّلامُ منَ المشرق لا تَنظُر إلى أثرِ ضَوءِ الشّمس الذي بقيَ هذا لا يمنَعُ حِلَّ الإفطار.
 
ثم مِن أهم المهمّات في الصيام أن يحفظَ الإنسانُ نفسَه منَ الكلام الفاحِش، لأنّ الكلامَ الفَاحش الذي هو شهادةُ الزُّور أو الطّعن في مُسلم ظُلمًا ونحو ذلكَ يُفسِدُ ثوابَ الصّيام، يُذهِب ثوابَ الصّيام، هذا صحّ صيامُه لكنّه ليسَ له شىءٌ منَ الثواب فلذلكَ ينبَغي أن يحفَظ الصائمُ لسانَه مهما غضِب (وإنْ سابَّهُ أحَدٌ فلْيَقُل إني صائم) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، معناه أنا لا أقابلُكَ بالشّتْم محافَظةً على صِيامِي.