إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله
 
أما بعد فاعلم وفقني الله وإياك لطاعته ومرضاته أن أقسام الحكم الشرعي خمسة وهي الفرض والندب والكراهة والحرام والإباحة، وقد قال الفقيه ابن عاشر رضي الله عنه في المرشد المعين
 
أقسام حكم الشرع خمسة ترام (أي تقصد) *** فرض وندب وكراهة حرام
 
ثم إباحة (وهذه خمسة هي أقسام حكم الشرع ثم قال) *** فمأمور جزم فرض ودون الجزم مندوب وسم
 
أراد أن المأمور بفعله إن جزم الشرع بالأمر به أي طلبَ فعلَه طلبا جازما بأن لم يجوز تركَه فهو الفرض ويرادفه الواجب والركن وذلك كالإيمان بالله ورسله ففرض لازم على كل مكلفٍ (أي البالغِ العاقل) أن يعرفَ من صفاتِ الله ثلاثَ عشرةَ صفةً أي أن يعرفَ معانيها، ولا يَجبُ عليه حِفظُ ألفاظها وهي صفاتٌ أزليةٌ أبديةٌ باتفاق أهل الحق لا تُشبِهُ صفاتِ البشر. وهي الوجودُ والوحدانيةُ والقدمُ (أي الأزلية) والبقاءُ وقِيامُهُ بِنفسه والقُدرة والإرادةُ والعلمُ والسمعُ والبصرُ والحياةُ والكلامُ وتَنَـزُّهُه عن المشابَهةِ للحادث أي المخلوق فالله سبحانه وتعالى موجود بلا كيف ولا مكان ولا يجري عليه زمان، لا يقال متى كان وكيف ولا أين ولا يقال في كل مكان، بل يقال الله موجود بلا كيف ولا مكان ولا يجري عليه زمان.
وقوله رضي الله عنه ودون الجزم مندوب وسم أي وإن لم يجزم الشرع بالأمر به بأن طلب فعله طلبا غير جازم بأن جوز تركه فهو المندوب وذلك كصلاة الفجر ونحوها، وقوله وسم أي علّم ووصف بأنه مندوب.
ثم قال رضي الله عنه ونفعنا بعلومه ذو النهي مكروه ومع حتم حرام أي أن المنهي عن فعله الذي طلب تركه إن كان النهي من غير تحتم بأن جوز فعله فهو المكروه وذلك كقراءة القرآن في الركوع مثلا وإن كان مع تحتم بأن لم يجوز فعله فهو الحرام وذلك كشرب الخمر والزنا ونحوهما.
وقوله مأذون وجهيه مباح ذا تمام أن ما أذن الشرع في فعله وتركه على السواء هو المباح وذا تمام أي هذا القسم الأخير وهو المباح تمام أقسام حكم الشرع.
 
القَاعِدَةُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ والشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ أنَّهُم إذَا أَطْلَقُوا كَلِمَةَ الكَرَاهَةِ فَهِيَ للتَّنْزِيهِ لا للتَحْرِيم إلا إذَا قَيَّدُوا.
والله تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.