إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

رَوَى النَّسَائِىُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِىَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ فَيَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِى هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَيُعْطَى هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجَابَ لَهُ).
 
هَذِهِ الرِّوَايَةُ صحِيحَةُ الإِسْنَادِ فَسَّرَتِ الرِّوَايَةَ الَّتِى فِيهَا (يَنْزِلُ رَبُّنَا) وَالَّتِى هِىَ أَشْهَرُ مِنَ الرِّوَايَةِ الأُولَى وَهَذَا يُقَالُ لَهُ مَجَازُ الْحَذْفِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ حَذْفُ لَفْظِ الْمَلَكِ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ.
 
وَمَعنَى (شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ) أَىِ النِّصْفُ الأَوَّلُ مِنْهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مَلَكٌ بِأَمْرِ اللَّهِ كُلَّ لَيْلَةٍ مِمَّا فَوْقَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُنَادِى فَمَنْ وَافَقَ دُعَاؤُهُ تِلْكَ اللَّحْظَةَ الَّتِى يُنَادِى فِيهَا الْمَلَكُ فِى اللَّيْلِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ إِنْ شَاءَ لِأَنَّهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ يُوجَدُ وَقْتٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ.
الدِّيَكَةُ عِنْدَمَا تَصِيحُ بِاللَّيْلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا رَأَتِ الْمَلائِكَةَ فَالدُّعَاءُ تِلْكَ السَّاعَةَ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
 
وقالَ الحافظُ المتبحّـِرُ عبدُ الرحمنِ بنُ الجوزيِّ الحنبليُّ في كتابِهِ البازِ الأشهبِ بعدَ ذِكرِ حديثِ النـزولِ ما نصُّهُ (إنَّهُ يستحيلُ على اللهِ عزَّ وجلَّ الحركةُ والنُّقلةُ والتغييرُ، وواجبٌ على الخلقِ اعتقادُ التنـزيهِ وامتناعُ تجويزِ النُقلةِ وأنَّ النـزولَ الذي هو انتقالٌ من مكانٍ إلى مكانٍ يفتقرُ إلى ثلاثةِ أجسامٍ جسمٍ عالٍ وهو مكانُ الساكنِ وجسمٍ سافلٍ وجسمٍ ينتقلُ مِنْ عُلْوٍ إلى أسفلَ وهذا لا يجوزُ على اللهِ قطعًا).
 
وفي شرحِ الزُّرْقانيّ على موطإِ الإمامِ مالكٍ، الزرقاني دار الجيل بيروت المجلد الثاني ص ٣٤ ما نصُّهُ (وكذا حُكِيَ عن مالكٍ أنَّهُ أَوَّلَهُ بنـزولِ رحمتِهِ وأمرِهِ أو ملائكتِهِ كما يُقالُ فعلَ الملِكُ كذا أي أتباعُهُ بأمرِهِ) انتهى كلامُ الزُّرقانيِّ.