إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ (هَذَا بَيَانُ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ)
 
مَعْنَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْمَالًا أَعْتَرِفُ بِلِسَانِي وَأَعْتَقِدُ وَأُذْعِنُ بِقَلْبِي أَنَّ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ، مَعْنَى لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِجْمَالًا أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ اعْتِرَافٌ مَعَ الِاعْتِقَادِ وَالإِذْعَانِ بِأَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ الأُلُوهِيَّةَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ أَيْ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ غَايَةَ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ إِلَّا هُوَ، وَالإِلَهُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ الْمُشْرِكُونَ لِمَا يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
 
وَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَعْتَرِفُ بِلِسَانِي وَأُذْعِنُ بِقَلْبِي أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى كَافَّةِ الْعَالَمِينَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ.
أُذْعِنُ بِمَعْنَى أَعْتَقِدُ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ وَحْدَهُ مِنْ دُونِ اعْتِقَادٍ لا يَكْفِي، فَالْمَعْرِفَةُ إِذَا اقْتَرَنَ بِهَا الإِذْعَانُ أَيْ رِضَا النَّفْسِ بِالشَّىْءِ الَّذِي عَرَفَتْهُ هِيَ الإِيـمَانُ الَّذِي هُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللَّهِ. وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ وَحْدَهَا فَلا تَكْفِي لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ تَعَالَى ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة 146] لَكِنْ لَمْ تُذْعِنْ نُفُوسُهُمْ فَلِذَلِكَ كَانُوا يُكَذِّبُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى فِيهَا الإِخْبَارُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لَكِنَّ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ حُرِّفَا لَفْظًا بَعْدَ أَنْ حُرِّفَا مَعْنًى.
 
وَقَوْلُهُ (مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى كَافَّةِ الْعَالَمِينَ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ) فَالْعَالَمُونَ هُنَا هُمُ الإِنْسُ وَالْجِنُّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [سُورَةَ الْفُرْقَان 1]، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى كَافَّةِ الإِنْسِ مِنْ عُرْبٍ وَعَجَمٍ وَإِلَى كَافَّةِ الْجِنِّ.