إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الله تعالى (ليس كمثلِه شىء) [سورة الشورى 11]، أي أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه، ففي هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة، فلا يحتاج إلى مكان يحُل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها، بل الأمر كما قال سيدنا عليّ رضي الله عنه (كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان) رواه أبو منصور البغدادي، وفي هذه الآية دليلٌ لأهل السنة على مخالفة الله للحوادث، ومعْنى مُخالفةِ الله للحوادِثِ أنّه لا يُشْبِهُ المخْلُوقاتِ، وهذِه الصِّفةُ من الصِّفاتِ السّلْبِيّةِ الخمْسةِ أي التي تدُلُّ على نفْي ما لا يلِيْقُ بالله.

 

والدّلِيْلُ العقْلِيُّ على ذلِك أنّهُ لو كان يُشْبِهُ شيْئًا مِنْ خلْقِه لجاز عليْهِ ما يجُوزُ على الخلْق مِن التّغيُّرِ والتّطوُّرِ، ولو جاز عليْهِ ذلِك لاحْتاج إلى منْ يُغيّرُهُ والمُحْتاجُ إلى غيْرِه لا يكُونُ إِلهًا، فثبت لهُ أنّهُ لا يُشْبِهُ شيئًا.

 

فمَا يُقَالُ مِن أنّ العَبد يَقِفُ بَينَ يَدَيِ اللهِ يَومَ القِيامةِ فَليسَ مَعنَاه أنّ اللهَ يقِفُ في مَوقِفِ الـحِسَابِ يَومَ القِيامةِ وأنّ العَبدَ يَكونُ قَريبًا مِنه، وإنّـما مَعناهُ العَبدُ يكونُ في حالِ الـمُحاسَبةِ لأنّ اللهَ يُسمِعُ كُلَّ إنسانٍ يومَ القِيامةِ كلامَه الذي ليسَ حَرفًا ولا صوتًا، هذا مَعنى بَينَ يَدَيِ الله، وليسَ مَعنَاه أنّ الإنسانَ يَكونُ قَرِيبًا مِنَ الـمكانِ الذي فيهِ اللهُ، لأنَّ اللهَ مَوجُودٌ بلا مَكَانٍ.

 

بينَ يَديِ اللهِ أي في مَوقِفِ الـحِسَاب، العَرشُ والأرضُ السّابعةُ بالنّسبةِ إلى ذاتِ اللهِ على حَدّ سَواءٍ، ليسَ أحدُهما أقربَ منَ الآخَر منَ اللهِ مِنْ حَيثُ الـمسَافةُ، ليسَ اللهُ قَريبًا مِنْ شَىءٍ بالـمَسافَةِ ولا بَعِيدًا بالـمَسافَة، القُربُ الـمَسافِيُّ والبُعدُ الـمَسافيُّ يكونُ بينَ مـخلُوقٍ ومـخلُوق.

 

فعقيدتنا ما قرره أهل السنة والجماعة علماء جمهور الأمة الاسلامية، أتباع المذاهب الأربعة المعتبرة، علماء الزيتونة والأزهر الشريف وقد قال المجتهد الامام السبكي في طبقات الشافعية حيث قال (وها نحن نذكر عقيدة أهل السنة فنقول عقيدتنا أن الله قديم أزليٌّ، لا يُشْبِهُ شيئا ولا يشبهه شىء، ليس له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقتٌ ولا زمان، ولا يقال له أين ولا حيث، يُرَى لا عن مقابلة ولا على مقابلة، كان ولا مكان، كوَّن المكان، ودبَّرَ الزمان، وهو الآن على ما عليه كان، هذا مذهب أهل السنة، وعقيدة مشايخ الطريق رضي الله عنهم). اهـ

 

وما يقوله الحافظ البيهقي رحمه الله (وفي الجملة يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشيء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف، فقد قال تعالى (ليس كمثله شىء) وقال (ولم يكن له كفواً أحد) وقال (هل تعلم له سمياً)). انتهى من كتابه الاعتقاد والهداية

 

والله أعلم.