إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

قال الإمامُ النوويُ (ت 676هـ) في رَوضَةِ الطالِبِينَ نَقْلاً عن الإمامِ المُتَوَلّي (ت 487هـ) في التَحذير مِن جُملة مِن الكُفرِيّات ما نصُّه:
 
مَنِ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ، أَوْ حُدُوثَ الصَّانِعِ، أَوْ نَفَى مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْقَدِيمِ بِالْإِجْمَاعِ، كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا، أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَالْأَلْوَانِ، أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ، كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا مَنْ جَحَدَ جَوَازَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ، أَوْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَذَّبَهُ، أَوْ جَحَدَ ءايَةً مِنَ الْقُرْءانِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، أَوْ زَادَ فِي الْقُرْءانِ كَلِمَةً وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْهُ، أَوْ سَبَّ نَبِيًّا، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، أَوِ اسْتَحَلَّ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ كَرَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَوِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ وَصَوْمِ شَوَّالٍ، أَوْ نَسَبَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى الْفَاحِشَةِ، أَوِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيًا لَهَا، أَوْ عَظَّمَ صَنَمًا بِالسُّجُودِ لَهُ أَوِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالذَّبْحِ بِاسْمِهِ، فَكُلُّ هَذَا كُفْرٌ.
 
ثم قال قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ (لِمُسْلِمٍ) يَا كَافِرُ بِلَا تَأْوِيلٍ، كَفَرَ، لِأَنَّهُ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا، وَالْعَزْمُ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُفْرٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ يَكْفُرُ أَمْ لَا فَهُوَ كُفْرٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ كَقَوْلِهِ إِنْ هَلَكَ مَالِي أَوْ وَلَدِي تَهَوَّدْتُ، أَوْ تَنَصَّرْتُ، قَالَ وَالرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ. انتهى
 
ثم قال فَرْعٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتِنَاءٌ تَامٌّ بِتَفْصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ، وَأَكْثَرُهُمَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ، فَنَذْكُرُ مَا يَحْضُرُنَا مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ مِنْهَا إِذَا سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِوَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ، كَفَرَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ، أَوْ لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ مَا صَلَّيْتُ إِلَيْهَا، أَوْ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا.
وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ لَا تَتْرُكِ الصَّلَاةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُكَ، فَقَالَ لَوْ وَاخَذَنِي اللَّهُ بِهَا مَعَ مَا بِي مِنَ الْمَرَضِ وَالشِّدَّةِ، ظَلَمَنِي.
أَوْ قَال الْمَظْلُومُ هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ الظَّالِمُ أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ بِكَذَا مَا صَدَّقْتُهُمْ، كَفَرَ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ قَلِّمْ أَظْفَارَكَ، فَإِنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً (بِقَصْدِ الاسْتِهْزَاءِ) كَفَرَ.