إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

سؤال: إنسان وقع في الردة ثم طلق زوجته هل يقع طلاقه أم لا؟ نرجو بيان الحكم على مذهب الإمام مالك مع ذكر الدليل.
 
الجواب:
وقبل أن نذكر حكم طلاق المرتد ننقل حكم الردة عندهم بالنسبة لعقد النكاح ففي كتاب منح الجليل شرح مختصر خليل، في باب النكاح ما نصه (……وفسخ لإسلام أحدهما بلا طلاقٍ لا ردته فبائنةٌ….(وفسخ) [بضم فكسرٍ] النكاح (لإسلام أحدهما بلا طلاقٍ) وأخرج من قوله بلا طلاقٍ فقال (لا ردته) أي أحد الزوجين عن دين الإسلام بعد تقرره له (فـ) هي طلقةٌ (بائنةٌ) هذا هو المشهور وقال ابن أبي أويسٍ وابن الماجشون فسخ بلا طلاقٍ إلى أن قال وروى علي بن زيادٍ عن مالكٍ إن ارتدت الزوجة تريد فسخ نكاحها فلا تكون طلاقا وتبقى على عصمته). اهـ
وهذا يعني أن نفس الردة على مذهب المالكية تعد طلاقا على قول عندهم، وسواء في ذلك ارتد الزوج أو ارتدت الزوجة، إلا إن قصدت الزوجة بالردة الخلاص من زوجها فلا تحسب طلاقا.
 
قال ابن أبي زيد القيرواني في كتابه الرسالة وهو من أشهر الكتب في مذهب مالك ما نصه (وإذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاق، وقد قيل بغير طلاق). اهـ  فالمشهور من مذهب مالك أن نفس الردة طلاق كما ذكر ذلك زروق وابن ناجي والآبي في شروحهم على متن الرسالة.
 
وفي منح الجليل شرح مختصر خليل باب النكاح : قال صاحب المختصر العلامة خليل (وفسخ لإسلام أحدهما بلا طلاقٍ، لا ردته فبائنةٌ، قال الشارح (لا ردته) أي أحد الزوجين عن دين الإسلام بعد تقرره له (فـ) هي طلقةٌ (بائنةٌ) هذا هو المشهور).
 
وقال ابن أبي أويسٍ وابن الماجشون فسخ بلا طلاقٍ، وقال المخزومي طلاقٌ رجعي، وقال الشارح بعد ذلك بأسطر (وشرط كون ردتها طلاقا عدم قصدها فسخ النكاح). اهـ
 
وأما لو قصد الزوج فسخ النكاح فهذا لا يمنع كون ردته طلاقا عند من قال بذلك، كما سيأتي النقل لاحقا.
 
وفي التاج والإكليل لمختصر خليل كتاب الجنايات الموجبة للعقوبات، باب في الردة، حقيقة الردة وأحكامها يقول المؤلف ما نصه (ومن المدونة، وردة الزوج طلقةٌ بائنةٌ، وإن أسلم في عدتها فلا رجعة له، وكذلك ردة المرأة طلقةٌ بائنةٌ وإن رجعت إلى الإسلام) انتهى من التهذيب، (ومقتضى هذا أنه ما حسبت لهما طلقةٌ إلا ليكونا عليها إذا رجعا للإسلام) انتهى النقل من التاج والإكليل.
 
ونذكر القارئ أن ردة المرأة لا تكون طلاقا إن قصدت بالردة فسخ النكاح.
 
وفي الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، تأليف الشيخ أحمد بن غنيم النفراوي باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (وإذا ارتد أحد الزوجين انفسخ النكاح بطلاقٍ وقد قيل بغير طلاقٍ) قال الشارح النفراوي (ولما اشتهر أن النكاح الصحيح اللازم لا يزيل العصمة فيه إلا الطلاق وكان يتوهم عدم انحلاله بالردة قال (وإذا ارتد أحد الزوجين) المسلمين أي قطع إسلامه لأن الردة هي قطع الإسلام بكلمةٍ مكفرةٍ أو بإلقاء مصحفٍ في قاذوراتٍ، (1) وأولى ردتهما معا (انفسخ النكاح) اللازم بينهما (بطلاقٍ) بائنٍ، ولو ارتد الزوج المسلم لدين زوجته النصرانية أو اليهودية، والمراد أن الارتداد نفسه يعد طلاقا بائنا على مشهور المذهب) انتهى كلام الشيخ النفراوي المالكي.
 
(1) الردة ثلاثة أقسام كما هو معلوم، فليراجع في ذلك تآليف أهل العلم، والمؤلف هنا لم يذكرها كلها ولم يكثر من الأمثلة، إذ قد فعل ذلك في باب الردة.
 
وفي مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل، فصل ندب لمحتاج ذي أهبة نكاح بكر، الفرع الثالث حكم شرب الأدوية لتقليل النسل (ص (لا ردته فبائنةٌ) ش يعني لأن ردة أحد الزوجين بطلقةٍ بائنةٍ قال الجزولي ويوسف بن عمر في شرح قول الرسالة وإذا ارتد أحد الزوجين وكذلك إذا ارتدا معا عند مالكٍ). اهـ
وهذا النقل يثبت أن الردة نفسها على مشهور مذهب مالك طلاق.
 
وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للشيخ محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي المصري باب في النكاح وما يتعلق به موانع النكاح (لا ردته) أي أحد الزوجين فليس فسخا مجردا بل هو طلاقٌ وإذا كانت طلقةٌ (فبائنةٌ) لا رجعيةٌ فلا بد من عقدٍ جديدٍ……ومحل كلام المصنف ما لم تقصد المرأة بردتها فسخ النكاح وإلا لم ينفسخ.
 
قال الدسوقي في حاشيته (قوله لا رجعيةٌ) أي خلافا للمخزومي وثمرة الخلاف عدم رجعتها إن تاب في العدة بل لا بد من عقدٍ جديدٍ على الأول لا الثاني وقيل إن الردة فسخٌ بغير طلاقٍ وهو قول ابن الماجشون وابن أبي أويس وينبني عليه أنه إذا تاب المرتد منهما وجدد الزوج عقدها تكون عنده على ثلاث تطليقاتٍ وعلى المشهور تكون عنده على طلقتين.