إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أما بعد: 

بيان حكم السعي خارج المسعى القديم
 
قال الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)، ولقد اعتنى علماء الإسلام بضبط حدود المسعى وذرعوا طوله وعرضه، وبينوا أعلامه وأمياله بدرجة كبيرة من الدقة كما اهتموا بذكر الدور التي تحده وتقاربه والأزقة التي حوله، ففي صحيح البخاري باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، وقال ابن عمر رضي الله عنهما (السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين).
 
قال في الفتح صحيفة 394 مجلد 3 (وصله الفاكهي من طريق ابن جريج أخبرني نافع قال نزل ابن عمر من الصفا، حتى إذا حاذى باب بني عباد سعى، حتى إذا انتهى إلى الزقاق الذي يسلك بين دار بني أبي حسين ودار بنت قرظة ومن طريق عبيد الله بن أبي يزيد قال رأيت ابن عمر يسعى من مجلس أبي عباد إلى زقاق ابن أبي حسين قال سفيان هو بين هذين العلمين). انتهى
 
وقال أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة (2 – 119) (… وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب، وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعا ونصف…).
 
وقال الفاكهي في أخبار مكة (4 – 93) (… وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وبينهما عرض المسعى خمسة وثلاثون ذراعا واثنتا عشرة أصبعا…) وقال في موضع آخر (وذرع دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه والمسجد الحرام ستة وثلاثون ذراعا و ثلث ذراع) (3 – 271).
 
وقال الفاسي في شفاء الغرام (1 – 519) (وقد حررنا مقدار ما بين هذه الأعلام طولا وعرضا، وذلك أن من العلم الذي في حد باب المسجد الحرام المعروف بباب العباس عند المدرسة الأفضلية إلى العلم الذي يقابله في الدار المعروفة بدار العباس ثمانية وعشرون ذراعا إلا ربع ذراع، بذراع الحديد، يكون ذلك بذراع اليد إحدى وثلاثين ذراعا وخمسة أسباع ذراع، وذلك ينقص عما ذكره الأزرقي في مقدار هذين العلمين،…).
 
وقال با سلامة في تاريخه عمارة المسجد الحرام صحيفة 299 (ذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى المسجد إلى العلم الذي بحذائه على دار العباس بن عبد المطلب وبينهما عرض المسعى ستة وثلاثون ذراعا ونصف). انتهى
 
وذكر السخاوي في الضوء اللامع ج 1 – 58 وقطب الدين الحنفي في تاريخه المسمى بـ الإعلام ص101 (قصة تعدي ابن الزمن على اغتصاب البعض من عرض المسعى في سلطنة الملك الأشرف قايتباي المحمودي إلى أن قال قاضي مكة وعلماؤها أنكروا عليه، وقالوا له في وجهه إن عرض المسعى كان خمسة وثلاثين ذراعا، وأحضر النقل من تاريخ الفاكهي، وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن أساسه فكان سبعة وعشرين ذراعا).
 
قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (4 – 118) (وللسعي شروط…..ومنها كونه بين الصفا والمروة  فلو سعى في غير ذلك المحل بأن دار من سوق الليل أو نزل من الصفا ودخل من المسجد لم يصح سعيه).
 
وقال الشنقيطي (توفّي 1393 هـ) في أضواء البيان 5 – 253 (إعلم أنه لايجوز السعي في غير موضع السعي، فلو كان يمر من وراء المسعى حتى يصل إلى الصفا و المروة من جهة أخرى لم يصح سعيه وهذا لاينبغي أن يختلف فيه).
 
وقال النووي في المجموع، كتاب الحج، باب صفة الحج والعمرة، السعي ركن من أركان الحج، فرع السعي في غير موضع السعي جلد 8 صحيفة 76 (فرع) قال الشافعي والأصحاب لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو مر وراء موضع السعي في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه لأن السعي مختص بمكان فلا يجوز فعله في غيره كالطواف.
قال أبو علي البندنيجي في كتابه الجامع موضع السعي بطن الوادي.
 
قال الشافعي في القديم (فإن التوى شيئا يسيرا أجزأه وإن عدل حتى يفارق الوادي المؤدي إلى زقاق العطارين لم يجز وكذا قال الدارمي إن التوى في السعي يسيرا جاز وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا، والله أعلم). اهـ
 
وقال الرملي الشافعي في نهاية المحتاج (3 – 291) (و يشترط [أي في السعي] قطع المسافة بين الصفا والمروة كل مرة، و لابد أن يكون قطع ما بينهما من بطن الوادي، و هو المسعى المعروف الآن [يعني أيامه]).
 
وقال ملا علي قاري الحنفي المكي في مرقاة المفاتيح (5 – 475) (والمسعى هو المكان المعروف اليوم [يعني أيامه] لإجماع السلف والخلف عليه كابرا عن كابر).
 
وقال الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج (2 – 256) (…. فلو عدل عن موضع السعي إلى طريق آخر في المسجد أو غيره، وابتدأ المرة الثانية من الصفا، لم تحسب له تلك المرة على الصحيح، كما في المجموع وزيادة الروضة).
 
وقال الرملي في نهاية المحتاج (3 – 291) (ولم أر في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيرا لم يضر كما نص عليه الشافعي).
 
وقال الشرواني في حواشيه (4 – 98) قال في العباب (ويجب أن يسعى في بطن الوادي، ولو التوى فيه يسيرا، لم يضر، قال شارحه بخلافه كثيرا بحيث لم يخرج عن سمت العقد المشرف على المروة إذ هو مقارب لعرض المسعى مما بين الميلين الذي ذكر الفاسي أنه عرضه، ثم ما ذكره هو في (المجموع) حيث قال أي النووي قال الشافعي والأصحاب لا يجوز السعي في غير موضع السعي، فلو مر وراء موضعه في زقاق العطارين أو غيره لم يصح سعيه لأن السعي مختص به فلا يجوز فعله في غيره كالطواف……إلى أن قال ولذا قال الدارمي إن التوى في موضع سعيه يسيرا جاز، وإن دخل المسجد أو زقاق العطارين فلا. انتهى
وبه يعلم أن قول العباب ولو التوى فيه يسيرا المراد باليسير فيه ما لا يخرج عنه فتأمله) ثم قال (الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ عن السنة فلا يضر الالتواء اليسير لذلك). اهـ
 
وجاء في المغني صحيفة 403 مجلد 3 أنه يستحب أن يخرج إلى الصفا من بابه، فيأتي الصفا، فيرقى عليه حتى يرى الكعبة، ثم يستقبلها.
قال في الشرح الكبير صحيفة 405 مجلد 3 (فإن ترك مما بينها شيئا (أي ما بين الصفا والمروة) ولو ذراعا لم يجزئه حتى يأتي به). انتهى
 
ثم كذلك حتى شيخ الوهابية المجسمة الخوارج  أدعياء السّلفية ابن تيمية يستتيب من يسعى خارج ما بين الصفا والمروة، وإلى هؤلاء الذين أجازوا توسعة المسعى، ويقدسون ابن تيمية، نقول:
قال ابن تيمية في شرح العمدة ج 3 – ص 599 (لو سعى في مسامتة المسعى وترك السعي بين الصفا والمروة لم يجزه). اهـ
قال ابن تيمية في مجموع الفتوى ج 11 – 632 (ولوسئل العالم عمن يعدو بين جبلين هل يباح له فعل ذلك؟ قال نعم، فإذا قيل على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة؟ قال إن فعله على هذا الوجه حرام منكر يستتاب فاعله فإن تاب وإلا قتل). اهـ